نكمل هنا سلسله التعرض لتجديد الفكر الاسلامي على منهج الفيلسوف المسلم مالك بن نبي (الحلقات السابقه في مصدر ١).
يواجه الاسلاميون اشكاليه ضخمه في كل أنحاء العالم و تتكرر تقريبا كل عقد او اثنين من الزمن. فهم اذا لم يدخلوا الانتخابات فشلوا و قيل عنهم انهم انعزاليون و لا يريدون المشاركه في دوله حديثه. و بالتالي يفقدون فرصتهم و يتم التنكيل بهم. و اذا دخلوا الانتخابات و فازوا، اما يطلب منهم الا يحكموا و اذا فازوا و حكموا فسرعان ما يتم التنكيل بهم ايضا! و هذا كله رأيناه في مصر ٢٠١٣ و رأيناه في تونس ٢٠١٤ و رأيناه في الجزائر ١٩٩٠. و السؤال دوما ما العمل؟ هل نترك الانتخابات ام ندخلها و نفوز بها؟
و الاشكالية تتعقد اكثر عندما يفشل الاسلاميون في الحكم. فهم لم يفشلوا بل فشل الاسلام و في كثير من الأحيان فهذا هو المطلوب اثباته. و في الاغلب يفشل الاسلاميون في الحكم للاسباب التاليه:
١- لأنهم غير مستعدين له حيث لا تتوافر فيهم الكوادر القادره علي أداره الحكم فجلهم أهل عقل و منطق و طب و هندسه. و ليسوا أهل اعلام و سياسه و اقتصاد. و اداره الدوله ليست فقط بالطب و الهندسه و العقل و المنطق. كذلك فاداره الدوله تحتاج تدريب. و في الخارج من يصل لمنصب رئيس يتمرس اولا في مناصب المحافظ او رئيس البلديه. و هذا بالقطع لا يحدث في بلادنا الا في تجربه رجب طيب اردوغان.
٢- كذلك يتورع الاسلاميون عن فعل ما يفعله غيرهم. فهم يتورعون عن التنكيل بالأعداء مثلا او إقصائهم. و هذا يجعل الارض غير مستوبه امام الجميع.
٣- تقوم اجهزه الدوله ذاتها و بدعم من الخارج بالعمل علي افشال الإسلاميين.
لذلك دوما السؤال ما العمل. هل مكتوب علي الإسلاميين ان يتم التنكيل بهم سواء داخل الحكم ام خارجه؟
و قد تعرض مالك بن نبي للاشكاليه بدقه في كتابه نهضه الامه (مصدر ٢). و كان رأيه ببساطه ان الناس في أوقات التجارب الديمقراطيه يتركون العمل الحضاري الفعلي و يدخلون في “دروشه” الانتخابات. و هو اطلق عليها كلمه دروشه بالفعل. و قال انهم يستبدلون أوثانا باخرى. فبدلا من الأوثان في التبرك بالقبور و الدراويش يتحول الوثن لصندوق انتخابي و تجمع انتخابي. و يكون هذا ظنا من الناس و بينهم الإسلاميين ان الصندوق الانتخابي و العمل الانتخابي هو الذي سيحل كل المشكلات. ناسون او متناسون ان العمل الحضاري هو الذي سيحل مشكلاتنا. و يرى مالك بن نبي ان تورط علماء الاسلام و الإسلاميين و علماء الامه في العمل الانتخابي يلهيهم عن دورهم الحقيقي في النصح و الإرشاد و تقويم سلوك البشر نحو افعال حضاريه حقيقيه و ليس فقط غشاء من الحضاره يطلق عليه الانتخابات. و بالطبع كثير منا يعلم ان في فكر مالك بن نبي اننا كأمه اسلاميه نأخذ أدوات الحضاره مثل الطائره و الكمبيوتر و نستعملها و لكننا عاجزون عن انتاج أدوات الحضاره لأننا نفتقد فكره الحضاره و منذ أفول جوهر الفكر الاسلامي بعد الخلفاء الراشدين. و الانتخابات كالطائرات هي اداه من أدوات الحضاره و ليست جوهرها.
استنبط الكثيرون من هذا ان مالك بن نبي يدعو لعزوف الإسلاميين عن دخول الانتخابات او انه ضد فكره الانتخابات بالأساس. و هذا غير منطقي. فهو ضد فكره ان تصبح الانتخابات وثن نعبده و يلهينا و يلهي بالذات علماء الامه عن انتاج و أعاده تجديد جوهر افكار الحضاره الاسلاميه حتي نستطيع انتاج أدوات الحضاره بذاتنا و صفاتنا و ليس فقط كمستعملين للأدوات. بل كمساهمين حقيقين في الحضاره العالميه مثلما كنا قبل قرون مضت.
و لكن هل معني ذلك ان يترك علماء الامه التجارب الديمقراطيه و يعزفون عنها؟ و ما السبيل لإنهاء هذا التنكيل المتكرر للاسلاميين؟ و هو تنكيل يحدث لهم عندما يكونون خارج الحكم او داخله.
ما السبيل لتجنب انه عندما يفشل الاسلاميون في الحكم يقال ان الاسلام قد فشل. و عندما يكونون خارج الحكم يتم التنكيل بهم؟
و هنا يجب ان نسأل انفسنا اسئله مهمه جدا:
١- هل الحكم مقصد للاسلاميين في حد ذاته؟
٢- ما هي مقاصد الشريعه الاسلاميه؟
٣- ما هي أولويات العمل الاسلامي و الحضاري لتجنب تلك الإشكاليات في الأداء؟
الشريعه الاسلاميه لها كليات خمسه و هي: حفظ الدين و النفس و العقل و النسل و المال.
لذلك نرى ان وصول “إسلامي” للحكم الان و بناءا علي تجارب التاريخ كلها يودي لإهدار الدين و النفس و المال. فالناس يقولون في مصر ان الإسلاميين قد فشلوا و سواء كان هذا سليما ام لا او جرى إفشالهم ام لا فهذا ما يقوله العامه و هو مما يفتن الناس عن الاسلام. و هو ضد مقاصد الشريعه. كذلك حتي لو نجح الاسلاميون في الحكم فقد يفشلون في الانتخابات ثم يقول الناس خرج الاسلام من الحكم؟ بالطبع من الاجدر ان يكون الاسلام فوق الاحزاب و ان تكون كل الاحزاب ذات صبغه اسلاميه. و لكن هذا امل بعيد الان. فما هي أولويات تحقيقه؟ كذلك اذا ابتعد الاسلاميون عن الحكم يفقدون اموالهم و انفسهم و يتم التنكيل بهم.
نحن من رأينا ان افضل توفيق بين كل هذه الامور في الوقت الحالي هو:
١- ان يكون الاسلاميون و الاحزاب الاسلاميه كلها ببرنامج واحد اسمه حقوق الانسان. و هو بالتأكيد مقصد من مقاصد الشريعه. تتحول كل الاحزاب ذات الصبغه الاسلاميه لاحزاب هدفها الوحيد و الأوحد هو الحفاظ علي حقوق الانسان. و ان تتعاون مع الجمعيات الغربيه لذلك. و لنا في رجب اردوغان اسوه. فهو اول من تناول موضوع حريه الحجاب في تركيا من باب حقوق الانسان. و يجب ان يكون هذا الباب هو من اجل حقوق اي إنسان. مسلم. مسيحي. كافر. يعيش في مصر. يعيش في امريكا اللاتينيه. يعيش في تومبكتو. و في هذا عوده للرساله العالميه الحضاريه للإسلام. اليس الدفاع عن النفس و المال و العرض هو من مقاصدنا كمسلمين؟
٢- لا مانع ان تتكون احزاب تهتدي بالحضاره الاسلاميه علي ان تبتعد عن ان يطلق عليها احزاب اسلاميه. و في حزب رجب اردوغان مثالا. فهو يدافع عن العلمانيه التركيه و لا يقول إطلاقا انه حزب إسلامي. و لا ينتمي احد فيه لجماعه اسلاميه. معروف طبعا انه يهتدي بالحضاره الاسلاميه لكنه يضع حد فاصل واضح بينه و بين الاحزاب الاسلاميه التي سبقته مثل حزب نجم الدين ارباكان كما يضع حد فاصل بينه و بين الجماعات الاسلاميه في تركيا. و في مصر يعني ذلك الفصل بين الاخوان كجماعة لها نشاط دعوي و حزب إسلامي هدفه فقط هو حقوق الانسان و ان شارك في السلطه يشارك فقط كمدافع عن حقوق الانسان اي إنسان و لكنه في الاغلب حزب معارض حتي ضد الاحزاب المهتديه بالحضاره الاسلاميه و يعارض ضدها حتي يكون دوما مدافع عن كل حقوق الانسان. و بين حزب سياسي علماني النزعه و لكن يهتدي بالحضاره الاسلاميه و لا يمانع في نشرها و انتشارها و يسعي للحكم و لكن ان فشل لا يقال الاسلام فشل.
و هذا التقسيم الواضح يعني ان:
– جماعه ذات عمل دعوي حضاري
– حزب إسلامي معارض دوما حتي لو تشكلت حكومه ذات توجهات اسلاميا و لا يهدف للوصول للحكم. و مدافع دوما و فقط عن حقوق الإنسان و يتعامل مع الجماعات المماثله في العالم.
– حزب سياسي كامل منفصل عن الجماعه و عن حزب حقوق الانسان و هو حزب يمكن ان ينغمس في السياسه و يطلب الحكم و يضم أطيافا شتى ربما بعضهم لا علاقه له بالاسلام و لكنه يمتلك معارف ضروريه للحكم المهتدي بالحضاره الاسلاميه. و الحقيقه لا يوجد ما يمنع ان يكون اكثر من حزب سياسي بهذه الصفات. بل حتي المطلوب هو ان يكون كل الاحزاب السياسيه كلها جمعاء بهذه الصفات ان أمكن. و لنا في تشكيل الحياه السياسيه الاسرائليه عبره. فالحزبان الكبيران علمانيان و لكنهما يتصفان بصفات تنبع من الحضاره اليهوديه. و لكن يوجد كذلك احزاب سياسيه دينيه يهوديه تشارك في الحكومات كعامل مرجح و لها قضايا ضيقه جدا. و في حالتنا الاسلاميه فقضيه الاحزاب الاسلاميه يجب فقط ان تكون حقوق الانسان في كل مكان.
و نرحب بالاراء و هذا اجتهادنا في تطوير هذا الجزء من فكر مالك بن نبي. و نتابع بعون الله.
و نتابع.
المصادر:
——–
١- سلسله تجديد الفكر الاسلامي:
https://jawdablog.org/2016/10/03/شروط-النهضه-تجديد-الفكر-الاسلامي-الح/
٢- كتاب مالك بن نبي كيف تنهض الامه:
http://www.aldohamagazine.com/books/book6.pdf
Categories: الأمراض السائده في الشخصيه المصريه
Leave a Reply